يتابع العالم بأسره ما يحدث في مصر هذه الأيام بترقب وحذر شديدين، وينقسم الناس في هذه المتابعة إلى أصنافٍ عدة؛ فمنهم مَن لا يمثل له هذا الحدث شيئاً، ويعتبره شأناً مصرياً داخلياً، وعلى المصريين أن يصرفوا أمورهم بينهم، ومنهم مَن يرى أن الأمر أصبح كالعدوى تنتقل من مكان إلى آخر؛ فقد بدأت في تونس، ومن ثم انتقلت إلى مصر ومنها خرجت لبلدان أخرى (ليبيا ـ اليمن ـ سوريا)، والآن تعود إليها، والله أعلم من القادم!! وكذلك الأمر لا يعني له شيئاً، اللهم إلا أنه يترقب هل بلده المحطة القادمة أم التي تليها!! أم أن دوره لم يحن بعد.. أما القسم الثالث فيرى أن القضية أكبر من ذلك بكثير، وأن الأمر مدبر، ومخطط له منذ زمن بعيد، وأن هذه أجندة تنفذ حسبما رُسِم وخُطط لها، وأنها مؤامرة حيكت بليل، ودُبِرت للعالم الإسلامي لخلق البلبلة والزعزعة والفرقة والشتات بين أبناء الأمة الإسلامية – ولا ينقصهم ذلك. هذه تقريباً أصناف الناس بحسب نظرتهم للأحداث في مصر في هذا الوقت.
ومهما يكن من أمر فإن ما يحدث في مصر كارثة عظيمة، وخطب جلل قد حل بهذا الجزء المهم من العالم الإسلامي؛ وواجب المسلمين جميعاً الوقوف إلى جانب مصر في محنتها والدعاء لها بأن يخلصها الله سبحانه وتعالى من هذه المصيبة العظيمة التي حلت بها، وأن تنقشع هذه الغمة التي خيمت في سماها، وأن يجنبها الله – عز وجل - شر هذه الفتنة التي أحاطت بها.
تدور في ذهني أسئلة أرقتني، وشغلت تفكيري منذ اليوم الأول لاندلاع هذه الأحداث، ومن هذه الأسئلة:
* مَن المتسبب في هذه الأحداث؟!!
* ما أسبابها؟!!
* مَن وراء هذه الفتنة؟!!
* مَن المستفيد منها؟!!
* ما الهدف منها؟!!
* ماذا بعد هذه الفتنة؟!!
* ما مصير مصر؟!!
* هل مصر الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة؟ أم أن هناك قائمة تطول؟ ومن الذي يليها؟
لو حاولنا الإجابة عن بعض هذه الأسئلة بالتفصيل لاحتجنا إلى كتاب، وليس لمقال، ولو فصّلنا لفصلـ...!!
ولكننا سنحاول جاهدين الإجابة ـ ولو بشكل مختصر ـ عن بعض هذه الأسئلة؛ علّنا نصل مع القارئ العزيز لشيء من الحقيقة فيما يدور حولنا من أحداث.
لعل من أهم الأمور الحديث عن أسباب هذه الحوادث؛ فلو أمعنا النظر في هذه الأسباب لوجدنا أنها كثيرة متشعبة، منها:
* ما تتعرض له بعض الشعوب العربية في أوطانها من ظلم، وقهر، وسلب للحقوق.
* الحالة الاقتصادية التي يعيشها الإنسان العربي وما وصل إليه من مستوى متدنٍ جداً في معيشته.
* الحالة الاجتماعية وما تعانيه الشعوب من الطبقية التي تفشت مؤخراً في كثير من البلاد العربية.
* استبداد بعض الحكام العرب وبعدهم عن العدل والمساواة بين شعوبهم.
* استيلاء بعض الحكام ومواليهم على ثروات البلاد وخيراتها ومشاريعها وحرمان الشعب منها.
* محاولة بعض الحكام العرب توريث السلطة لأبنائهم مع أنها ليست ممالك، ولا نظامها يقر ذلك.
* عدم تطبيق الأنظمة والقوانين كما يجب، ووجود بعض الفئات فوق القانون.
* وقبل كل هذا البعد عن دين الله عز وجل وعدم تطبيق الشريعة الإسلامية دستوراً لحكم للبلاد.
هذه بعض أسباب الفتنة، أما عن الهدف منها فالهدف واضح جلي، لا يحتاج إلى مزيد من إعمال الفكر؛ فكل عاقل لبيب يدرك بحصافته ورجاحة عقله الهدف من هذه الفتن.
أما عن المستفيد منها فبلا أدنى مجال للشك فإن المستفيد من هذه الفتنة هم مَن كانوا وراءها!! ومن أجج نارها!! ويزيدها اشتعالاً!! وسنترك الحديث عنهم إلى النهاية.
من الواضح أن مصر لن تكون الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة أو هذا المسلسل الذي أخشى أن يكون مكسيكياً؛ فالهدف كبير، والمخطط أكبر وأكثر دهاءً ومكراً وخبثاً.
لذا يجب علينا جميعاً أن نكون أكثر وعياً، وإدراكاً، وذكاءً في تعاملنا وفي قراراتنا نحن المسلمين حكاماً ومحكومين؛ لأن الأمر أكبر مما نتصور، والقضية أعظم، والمصيبة أدهى وأمرّ؛ فعلينا جميعاً أن نتنبه لهذا الخطر القادم، وأن نعي جميعاً أن بلداننا ومقدراتنا وممتلكاتنا أهم من أي شيء آخر، أهم من الكراسي، أهم من المناصب؛ فالأمة في خطر، والمؤامرة عظيمة، وهذا يوجب علينا جميعاً أن ندرك أن الأمر ليس محصوراً في سلطة أو نظام، وأن الهدف ليس تغييراً للحكام فحسب بل الأمر يتعدى ذلك وأكبر منه بكثير، فهؤلاء الحكام لهم عشرات السنين يحكمون هذه البلاد، فما الذي جعلهم لا يصلحون في هذا التوقيت بالذات؟!! وكلهم أصبحوا أنظمة فاسدة يجب أن تكون بائدة.
إن هذا الكلام يقودنا إلى مَن المتسبب؟!! ومن المستفيد من هذه الأحداث؟!!
قبل الحديث عن المتسبب والمستفيد ـ مع أنه معروف لكل عاقل لبيب ـ أريد منك عزيزي القارئ أن تقف قليلاً وتفكر وتعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، وتتأمل هذا المسلسل ومتى بدأ؟!! وما أول حلقة فيه؟! ومَن أول ضحاياه؟!!
لا.. لا.. لا.. لا تقل لي وجدتها.. وجدتها.. فتقول إنها تونس الخضراء.. لا.. لا.. لا يا عزيزي.. ارجع.. ارجع بالذاكرة للوراء وفكر ملياً.. هل فكرت؟!! هل عرفت؟!!
أيضاً.. لا.. لا.. لا ليست بلاد الرافدين.. ليست العراق.. فالمسلسل أقدم من ذلك بكثير.
أها.. لقد وجدتها.. إنها بلاد الأفغان.. أيضاً لا.. لا يا عزيزي، إن الحلقة الأولى من هذا المسلسل هي بلاد أولى القبلتين وثالث الحرمين، إنها فلسطين.. نعم إنها أرض الرسالات.. أرض الأنبياء.. أرض المقدسات.. نعم لقد كانت الحلقة الأولى في هذا المخطط الذي دُبر لعالمنا الإسلامي، ومن ثم تلتها لبنان.. وثلثوا ببلاد الأفغان.. فعرجوا على بلاد الرافدين.. ثم انتقلوا إلى تونس الخضراء.. وعرَّج القطار إلى "أم الدنيا"، ثم ليبيا ومنها لليمن السعيد، وتوقف كثيراً في سوريا وما زال. ولتحويل الانتباه عن جرائم النصيري الخبيث عاد لمصر مرة أخرى، وهو ـ إلى هذه اللحظة ـ في محطة أم الدنيا، فها هي مصر العروبة والإسلام تتعرض لما تتعرض له من خراب ودمار وقتل وجوع وتشريد وفقر.. والله أعلم من تكون الحلقة القادمة.
فهل عرفت الآن مَن المستفيد؟!! ومن المتسبب في هذا الدمار؟!! وهذه الفرقة.. لن أكون دبلوماسياً هذه المرة، وألمح حول المتسبب، وحول المستفيد.. لأن الجرح دامٍ والمصيبة أعظم؛ لذا سأقول وبالفم المليان إن المستفيد هو ثالوث الخراب في العالم في هذا الزمان (أمريكا ـ إسرائيل ـ إيران).
وقبل أن أختم أود توجيه رسالة لكل الأطراف في أرض العروبة والإسلام، أرض مصر الغالية علينا جميعاً؛ فأقول لهم جميعاً حكومة وأحزاباً ومعارضين وشعباً: إن مصر أولاً.. مصر أولاً.. مصر أهم.. مصر أهم.. من جميع ما تتقاتلون عليه.. أهم من الكرسي ومن المناصب.. ومن الجاه والمال.. فحافظوا على مصر.. وارفعوا شعار.. مصر أولاً.. حتى تتوصلوا لحل يحقق هذا الشعار.
حفظك الله يا بلادي.. يا بلاد الإسلام.. يا بلاد العرب.. من كل مكروه.. فبلاد العرب أوطاني.. وبلاد الإسلام أوطاني.. وهذا شعور كل مسلم غيور على دينه وكل عربي غيور على بلاده.
0 التعليقات:
إضغط هنا لإضافة تعليق
إرسال تعليق
Blogger Widgets